سلطنة عُمان.. احتفال الدولة والإنسان

 

 

 

 

د. سليمان بن خليفة المعمري **

 

 

تعيش سلطنة عُمان الحبيبة هذه الأيام أجواءً احتفالية جميلة احتفاءً بحلول الذكرى الحادية والثمانين بعد المائتين على تأسيس الدولة البوسعيدية؛ إذ بايع العُمانيون في العشرين من نوفمبر من عام 1744 الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي والي صحار آنذاك إمامًا على عُمان ليقوم بتوحيد البلاد وطرد الفرس وحمايتها من الأخطار الخارجية، كما خلّص البصرة من الحصار الذي فرضه الفرس عليها في خطوة تعكس انتماء العُماني إلى محيطه العربي والإقليمي وتماهيه مع قضاياه.

ومنذ ذلك التاريخ أظهرت الدولة البوسعيدية حرصها على وحدة النسيج العُماني وتماسك أركان الدولة بصورة تعبر عن عراقة هذه الأسرة العُمانية وأصالتها، كما أظهر العُمانيون وحدتهم وولاءهم خلف القيادات الفذة المتعاقبة لهذه الأسرة الماجدة، ما جعل من العُمانيين مثالا يحتذى في إرساء أسس ودعائم الدولة الحديثة وحسن التناغم بين القيادة والشعب بشكل يعكس تسامح العُماني ورقيه وسموه الإنساني، وليكتبوا تاريخا عاطر السيرة والمسيرة وكأن أمير الشعراء أحمد شوقي عناهم بقوله:

وأثار الرجال إذا تناهت // إلى التاريخ خير الحاكمينا

وأخذك من فم الدنيا ثناءً // وتركك في مسامعها طنينا

حُق لكل عُماني أن يفخر ويفاخر ويقتدي ويحتفي بتك النماذج الفريدة التي أسست دولة وأشادت وطنا شهد له القاصي والداني وفرض حضوره السياسي والاقتصادي والإنساني، لذا لا غرابة أن يكون الحفاظ على هوية هذا الوطن والتمسك بقيمه وعاداته وموروثه الحضاري أحد أهم القضايا التي تحظى بالاهتمام السامي الكريم، إذ كانت من الأولويات التي أكد عليها المقام السامي التي أشار إليها جلالته أيده الله في خطاب ذكرى توليه مقاليد الحكم في 11 من يناير حينما قال: "ونُهِيبُ بأبنائِنَا وبناتِنَا التمسُّكَ بالمبادئِ والقيمِ، التي كانت وستظلُ ركائزَ تاريخِنَا المجيدِ، فَلْنَعْتزّ بِهَوِيَتِنَا وجَوْهَرِ شخصيتِنَا، ولِنَنْفَتِحْ على العالَمِ، في توازنٍ ووضوحٍ، ونَتَفَاعَلْ معه بإيجابيةٍ، لا تُفْقِدُنا أصالتَنَا ولا تُنسينا هويتَنَا"، فرغم سياسة الانفتاح وروح التجديد والتطوير التي اختطها جلالة سلطان البلاد المفدى- أيده الله- كعناوين رئيسة لنهضة عُمان المتجددة، إلا إنه لطالما شدد- أيده الله- على أهمية الحفاظ على الموروث العُماني الأصيل وهوية هذا الوطن والاعتزاز بها.

ورغم مرور أكثر من 281 عامًا على تأسيس هذه الدولة الشامخة، فإنها بقيت- ولله الحمد- راسخة البنيان ثابتة الأركان عصية على التراجع والانكسار، صامدة كالسيف فردا في وجه متغيرات وأحداث الدهر محروسة بحفظ الله وعنايته، وظلت بفضل الله وكرمه واحة محفوفة بوارف من ظلال الأمن والهناء والعيش الرغيد، لتكتمل السيرة العطرة والمسيرة الزاكية بانطلاق ركب النهضة المتجددة التي يقودها مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه ماضية بعزيمة لا تلين وهمة لا تفتر لتحقيق ما يصبوا إليه العُمانيون من عز ورخاء.

لذا يعد العشرون من نوفمبر يومًا وطنيًا خالدًا في سلطنة عُمان شاهدا على عظمة الحضارة وسمو وعراقة الإنسان العُماني، ويحق لنا كعُمانيين أن نحتفي بهذا اليوم الخالد فماضي هذا البلد التليد وحاضره المشرق يشكلان مصدر فخر واعتزاز، واليوم ونحن نستذكر بكل اجلال وتقدير هذه السيرة والمسيرة الرائدة فإن من أوجب الواجبات أن يحافظ كل عُماني على مكتسبات ومنجزات هذا الوطن، والتي سطرت بعرق وجهد وتضحيات المخلصين من أبناء هذا الوطن، كما إنّ على أبناء هذا الوطن العزيز أن يعاهدوا الله والوطن وسلطانه المفدى على بذل كل جهد وتفان وتضحية في سبيل رفعة وتقدم ونماء وازدهار هذا البلد العزيز، ولله درا الشاعر حين قال:

هذي عُمان قد استقام لواؤُها // فوقَ المجرّةِ واستهلّ لمقدِمِه

قل للسنينِ القادماتِ تهاطلي // مطرًا.. فقد جادَ الزمانُ بهيثمِه

 هذا، وكل عام وهذا الوطن العزيز وسلطانه المفدى وشعبه الأبي في خير وعز وأمان.

** أخصائي إرشاد وظيفي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z